M@BrOuKi
M@BrOuKi
M@BrOuKi
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


‗_ღ التمـيز عنـوآننـآ.♥.المـحبـه شعـآرنـا .♥. الإرتقاء هدفنا..♥..نلتقي لنرتقي ღ_‗
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 عابر سرير 8

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
MàBrOuKi
Admin
MàBrOuKi


عدد المساهمات : 380
تاريخ التسجيل : 21/04/2012
العمر : 27
الموقع : https://www.facebook.com/mabrouki.imane

عابر سرير 8 Empty
مُساهمةموضوع: عابر سرير 8   عابر سرير 8 Emptyالأحد يوليو 29, 2012 8:37 am

هي ستأتي إذن! وكيف لهذه المصادفات العنيفة في سخائها, أن تكتمل بدون مجيئها وبدون شيء على ذلك القدر من صاعقة المفاجأة.
دخلت في حالة شرود. رحت بعيداً أفكر في مصادفة قد تجمعني بها أو ذريعة تعطيها علماً بوجودي هنا.
كيف لي أن أعرف في أي فندق ستقيم؟ وإذا كان زوجها سيرافقها أم لا؟
كنت لا أزال أبحث عن طريقة أستدرج بها ناصر للحديث عن زوجها عساه يبوح ببعض أخبارها, عندما لم يقاوم مراد شهوة شتمه وقال موجهاً الحديث إلى ناصر:
- واش جاي معاها هذاك الرخيص؟
سألته بتغابٍ:
- عمن تتحدث؟
قال:
- زوج أخته.. إن النجوم لا ترفع وضيعاً!
أجاب ناصر:
- لا أظنه سيأتي.. يخاف إذا زار فرنسا أن يطالب أقارب بعض الضحايا السلطات الفرنسية بمنعه من العودة إلى الجزائر, ومحاكمته كمجرم حرب نظراً لجلسات التعذيب التي أشرف عليها, وبعض الاغتيالات التي تمت بأمر منه. وحدهم أولاده يسافرون لمتابعة أعماله في الخارج.
أشعل مراد سيجارة عصبية وقال بتذمر:
- الحرب استثمار جيد, كيف لا يثرون لو لم يكن لهم مدخول من الجثث ومصلحة في إبقاء الآخرين مشغولين عنهم بمواراة موتاهم. فعندما لا تدور آلة الموت بأمرهم كانت تدور لصالحهم. فمن بربك الأكثر إرهاباً والأكثر تدميراً لهذا الوطن.. هم أم القتلة!
خفت أن يتعكر جو سهرتنا بخلافات في وجهات نظر لا أظنها جديدة على الرجلين, ولكن ما كان الوقت مناسباً لها.
استفدت من فتح الموضوع لأطرح على ناصر السؤال الذي كان يعنيني ويشغلني دائماً.. قلت:
- اعذرني.. ولكن لا أفهم كيف استطاعت أختك العيش مع هذا الرجل وكيف لم تطلب الطلاق منه حتى الآن؟
رد ناصر بعد شيء من الصمت:
- لأن مثله لا يطلق بل يقتل.
عبرتني قشعريرة. راح ذهني للحظات يستعرض كل سيناريوهات الموت المبيت. يا إلهي.. أيمكن لشيء كهذا أن يحدث؟
أوصلتني أفكاري السوداوية إلى تذكر ضرورة عودتي إلى باريس. نظرت إلى الساعة, فوجئت بأنها الثانية عشرة إلا ربعاً. وقفت مستعجلاً الذهاب. كنت أخاف قاطرات الضواحي وما تحمله لك ليلاً من مفاجآت. لكن مراد نصحني بالبقاء لقضاء الليلة عنده. وأغراني بسهرة قد لا تتكرر.
ترددت في قبول عرضه. فكرت في فرانسواز التي لم أخبرها بعدم عودتي إلى البيت. ثم فكرت في أنني لم أحضر لوازمي معي... وأنه قد لا يكون من مكان لنومنا جميعاً.
لكن مراد حسم ترددي قائلاً:
- كل شيء كاين يا سيدي غير ما تخممش!
وجدت في قضائي ليلة مع ناصر, حدثاً قد لا يتكرر فأنا لم أنس لحظة أنه أخ المرأة التي أحب.
استأذنت مراد في إجراء مكالمة هاتفية, بدون أن أخبره أنني سأطلب فرانسواز. لكنه بعد ذلك, باغتني بخبث السؤال.
- واش.. قلتلها ماكش جاي؟
سألت بتغاب:
- شكون؟
رد:
- " اللبة" متاعك!
لا أدري كيف وجد في فرانسواز شيئاً من اللبؤة.. ربما بسبب شعرها الأحمر أو ربما بسبب ما رآه فيها من شراسة مثيرة.
قلت مغيراً الموضوع بطريقة مازحة:
- أنا هارب يا خويا من أدغال الوطن.. يرحم باباك إبعد عني " اللبات" والأسود!
- واش بيك وليت خواف.. رانا هنا.. نوريولهم الزنباع وين ينباع.
لا أدري لمن كان يريد أن يري "أين يباع الزنباع": للإرهابيين.. للعسكر.. أم لفرانسواز..
أجبته مازحاً لأحسم الجدل:
- وري زنباعك للي تحب.. أنا يا خويا راجل خواف!
انضم إلينا ناصر مرتديا عباءة البيت, بعد أن انتهى من أداء صلاة العشاء. بدا كأنه أكبر من عمره. أحببت فيه طهارة تشع منه لا علاقة لها بعباءته البيضاء.
مازال نقياً, لم تستطع الغربة أن تجعله يتعفن ويتلوث. ولا أصابته تشوهات المغتربين. كان معذباً بذنب وجوده خارج الجزائر. يبدو مبعثراً على أرض الحرية. لكنه لم يفقد رصانته ولا كان له كلام ناري. كان يدافع عن قناعاته بصوت منخفض. وأحياناً بصمته. سأل:
- عم تتحدثان؟
قلت:
- كنت أقول له إنني خواف. هل عيب في أن يخاف المرء؟
صمت ولم يرد. شعرت أنني خيبت ظنه. قلت كما لأبرز له خوفي:
- صدقني لفرط ما عشت مع عدو لا يرى, ما عاد الخوف يغادرني. خاصة في الليل. كلما غادرت بيتي لأرمي بكيس الزبالة, توقعت أن أحداً يتربص بي وأنا أنزل الطوابق المعتمة للبناية.. أو أن أحداً ينتظرني في ركن من الشارع لينقض علي. ذلك أنني كل مرة أتذكر سينمائياً كان يدعى علي التنكي, لم أكن أعرفه, لكنه أغتيل في الحي الذي أسكنه بينما كان ذاهباً ليلاً ليلقي بكيس الزبالة. تصور أن ترتبط ذكرى شخص في ذهنك بالقمامة, بأعمار موضوعة في أكياس الزبالة على الساعة العاشرة, كما ليجمعها زبال القدر, كان قد انتهى لتوه من تصوير فيلم عنوانه " الفراشة لن تطير بعد الآن".
قاطعني مراد:
- يرحم باباك.. خلينا من هاذ الحكايات.. على بالك وشحال في الساعة؟
نظرنا جميعنا إلى الساعة.
واصل:
- راهي الوحدة.. حبس يا راجل من " لي زافيرات متاع السريكات ولي زافيرات متاع الكتيلاتت" هاذي اللي كالوا فيها " جبت كط يوانسني ولى يبرك في عينيه!" قلنالك اقعد يا راجل توانسنا.. وليت تخوف فينا!
انفجرنا ضاحكين أنا وناصر كما لم نضحك من زمان.
لفظ مراد كلامه على طريقو ( المفتش الطاهر) وهو شخصية كوميدية شعبية توفي في السبعينات, اشتهر على طريقة كولمبو بمعطفه المضاد للمطر وبدور رجل التحري المختص في قضايا " السريكات " و " الكتيلات" أي السرقات.. والجرائم. وصنعت شهرته لهجته المميزة في تحويل القاف "كافاً" على طريقة أهل مدينة جيجل. لافظاً القلب "كلباً" وقال لي " كالليً.
وكان مراد يستشهد بمثل شعبي معناه " جئت بالقط ليؤنسني فأخافني بعينيه اللتين تبرقان في العتمة" بعد أن استبقاني لأؤنسه فرحت حسب قوله أخيفه بأخبار القتلى الذين اغتيلوا ليلاً وهم يلقون كيس الزبالة!
وكأنما أصابه ذعر العجائز من عواقب الفرح, قال ناصر وهو يستعيد جديته:
- الله يجعلها خير.. عندي بالزاف ما ضحكتش هكذا!
رد مراد متهكماً:
- ياوالله مهابل.. واحد خايف يموت وواحد خايف يضحك..
إضحك يا راجل آخرتها موت!

كان هذا شعارنا أيام " مازفران" . يوم كان يحاضر لإقناعنا بالفرح كفعل مقاومة. فبالنسبة إليه مشكلتنا في الجزائر أن الناس لا وقت لديهم للحياة. وهم مستغرقون في الاستشهاد. حتى أنهم في انشغالهم بالبحث عن ذريعة لموت جميل, نسوا لماذا هم يموتون. بينما أثناء انشغالنا نحن بالبقاء أحياء نسينا أن نحيا. فلا هؤلاء هنئوا بموتهم ولا نحن نعمنا بحياتنا.
حتماً كان على حق. كانت تنقصنا البهجة حتى صار ضرورياً حسب قوله أن يؤسس المرء خلية سرية لتعاطي الفرح سراً في بيته بصفته نشاطاً محظوراً لسنوات في الجزائر. أذكر ذلك الأستاذ الذي روى لي كيف كان مرة جالساً في مقهى على رصيف الجامعة مع صديقين يتجازبون أطراف الحديث ويضحكون, عندما توقف أمامهم رجلان في زي أفغاني وسألاهم بنبرة عدائية: " ماذا يضحككم؟". ولم يشفع لهم إلا أن تعرف أحدهما على أحد الجالسين. ولم يذهبا حتى أخذا منهم عهداً بأنهم " ما يزيدوش يعاودوا يضحكوا"!
عندما رويت تلك الحادثة الغريبة لمراد, وجد فيها ما يؤكد نظريته بأن الطغاة يجدون دائماً في فرح الرعية خرقاً لقوانين القهر وتعدياً على مؤسسة العسف. ولذا إن أكبر معارضة لأي ديكتاتور في العالم هي أن تقرر أن تبتهج. فأي دكتاتور يعز عليه أن يفرح الناس إن لم يرتبط فرحهم بعيد ميلاده أو ذكرى وصوله إلى الحكم.

كان مراد أثناء ذلك قد توجه إلى آلة التسجيل ووضع شريطاً لأغنية قسنطينية. وقبل أن نستجمع أفكارنا علا صوت تلك الأغنية الراقصة التي كأنني ما نسيتها يوماً, مع أنني لم أستمع إليها منذ زمن بعيد. أغنية من تلك الأغاني التي تكاد تكون لها رائحة, ويكاد يكون لها جسد. جسد نساء شاهدتهن في طفولتك بشعرهن المنفلت يرقصن منخطفات حتى الإغماء في أثوابهن الجميلة المطرزة بخيوط الذهب.
وقف مراد, والسيجارة في طرف فمه, يرقص كأنه يراقص نفسه على موسيقى الزندالي. رقصة لا تخلو من رصانة الرجولة وإغرائها, يتحرك نصفه الأعلى بكتفين يهتزان كأنهما مع كل حركة يضبطان إيقاع التحدي الذي يسكنه, بينما يتماوج وسطه يمنة ويسرة ببطء يفضح مزاج شهواته والإيقاع السري لجسده.
بدا لي فجأة أجمل مما هو. أجمل مما كان يوماً. وفهمت لماذا تشتهيه النساء.

لا أدري كيف أعادني رقصه إلى زوجها الذي شاهدته مرة على التلفزيون أثناء نقل حفل مباشر.
كان بهيئة من يدعي الوقار يرتدي مهابته العسكرية, جالساً في الصفوف الأمامية مع أولئك الذين هم أهم من أن يطربوا, مكتفين عندما تلتهب القاعة بصوت الفرقاني مردداً " أليف يا سلطاني والهجران كواني" بجهد متواضع والتكرم على المغني بتصفيق رصين خشية أن تتناثر من على أكتافهم نجومهم المثبتة بغراء هيبتهم الزائفة!
أشفقت عليه. إن رجلاً لا يتنتفض منتصباً في حضرة الطرب, هو حتماً فاقد للقدرة على الارتعاش في حضرة النشوة!
شكرت يومها حضوره البارد في سريرها.

كان مراد أثناء ذلك يزداد وسامة كلما ازداد وقع الدفوف. كأنما كانت الموسيقى تدق احتفاء برجولته. وكأن جسده في انتشائه يبتهل لشيء وحده يعرفه.
باسم الله نبدى كلامي...............قسمطينة هي غرامي
نتفكرك في منامـي...............إنتـي والوالديـــن
كانت الأصوات والدفوف ترد على المغني مع نهاية كل بيت ( الله) وتمضي الأغنية في ذكر أحياء قسنطينة وأسواقها اسماً اسماً:
على السويقة نبكي وانّوح .................رحبة الصوف قلبي مجروح
باب الـواد والقـنـطرة.................. رحـتِ يا الزيـن خسـارة
لكأنها تحيك لك مؤامرة, هذه الأغنية التي مازلت جاهلاً ما سيكون قدرك معها. تهديك شجىً يفضي بك إلى شجن, طرباً يفضي بك إلى حزن. تضعك أمام الانطفاء الفجائي لمباهج صباك, لأنها تذكرك بوزر خساراتك.

أأراد مراد حقاً إبهاجنا بأغنية, برغم إيقاعها الفرح, هي في وضعنا ذاك دعوة معلنة للبكاء؟ أو ربما نحن من فقدنا عادة الفرح, ولم نعد نصلح للانخراط في حزب البهجة الذي يدعونا إليه عنوة!
عبثاً حاول مراد استدراجنا لمراقصته احتفاءً بمباهجنا المؤجلة. انتهت سهرتنا كما بدأت, بأحاسيس متناقضة تخفي خسارات لم ندر كيف نتدبر أمرها.
احترمت حزن ناصر المترفع عن الإفشاء. وعندما كان علي بعد ذلك أن أتقاسم معه غرفة أصبحت للنوم, تركت له الأريكة التي تحولت إلى سرير لشخصين ونمت على فراش أرضي. كان له مقام التاريخ وسطوته. وكنت رجل الشهوات الأرضية والحزن المنخفض الذي نام دوماً عند أقدام قسنطينة... إلى: (عابر سرير)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mabrouki.yoo7.com
 
عابر سرير 8
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
M@BrOuKi :: حديـــــــــــــــــــــــــقة الادب و قصص و حكايات-
انتقل الى: